غيرت وسائل التواصل الاجتماعي شكل حياتنا بشكل جذري، حيث لم تعد مجرد أدوات للتواصل والترفيه فحسب، بل أصبحت أيضًا أداة تأثير قوية يمكن لأي فرد أو جهة استخدامها للتأثير على الآخرين، سواء كان هذا التأثير إيجابيًا أم سلبيًا. في مجال التسويق الرقمي، حدثت طفرة غير مسبوقة، حيث تحول دور المستخدم من كونه متلقيًا سلبيًا إلى صاحب القرار والتأثير الأكبر، ولم يعد بإمكان الشركات أو العلامات التجارية فرض منتجاتها أو خدماتها بشكل أحادي الاتجاه، بل أصبحت العلاقة تبادلية ذات اتجاهين، يقودها المستخدم بشكل كبير، مما جعل هذا العصر هو عصر الشبكات الاجتماعية وعصر المستخدم بجدارة.
بدأت الشبكات الاجتماعية كنواة بدائية في شكل المنتديات في أواخر القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة، ثم ظهرت مواقع تتيح للمستخدمين إنشاء ملفات شخصية وتعبير عن أنفسهم بقوة، مثل MySpace وWordPress وBlogger وغيرها. لكن التحول الحقيقي حدث عندما جاء الشاب مارك زوكربيرج بفكرة موقع فيسبوك الذي غير مسار التاريخ، وبعد سنوات قليلة من نجاحه الكبير، ظهرت تويتر وحققت شهرة وانتشارًا مماثلين، تبعتها العديد من المواقع الاجتماعية الأخرى. هذا بالإضافة إلى ظهور يوتيوب وشرائها من قبل جوجل، مما أدى إلى انتشار فكرة النشر الشخصي على الشبكات الاجتماعية وجعل المستخدم عنصرًا إيجابيًا مؤثرًا بدلاً من كونه سلبيًا كما كان في السابق.
نظرًا لأن أي زحام بشري يمثل فرصة تجارية رائعة، فقد أغرى هذا الكم الهائل من المستخدمين جميع الشركات حول العالم للدخول بقوة إلى عالم الشبكات الاجتماعية والبدء في تسويق المنتجات والخدمات للجمهور. هذا بدوره انعكس على الطريقة التي تقوم بها فيسبوك بفهرسة العوامل الديموغرافية للمستخدمين، لمساعدة المعلنين في اختيار الفئة المناسبة لاستهدافها بإعلاناتهم بدلاً من الإعلان بشكل عشوائي. هذا التطور السريع في الإعلام الاجتماعي ساهم في تغيير إستراتيجيات التسويق الرقمي، حيث تحول من نشاط أحادي الاتجاه إلى نشاط ثنائي، يبدأ وينتهي عند المستخدم.
بدأت الشبكات الاجتماعية في التأثير على التسويق الرقمي بعدة طرق، أولها أنها أصبحت المكان الذي يتواجد فيه الجمهور المستهدف بشكل يومي، مما يجعلها السوق الجديد التي يجب على الشركات التعامل معها بناءً على معطياتها الخاصة. ثانيًا، سمحت الشبكات الاجتماعية للعلامات التجارية بالتقرب أكثر من الجمهور ومعرفة رغباته واحتياجاته بشكل أكثر دقة من خلال الاستقصاءات واستطلاعات الرأي. ثالثًا، أصبح من السهل على الشركات بناء قاعدة جماهيرية دائمة من خلال إنشاء صفحات متابعين أو مجموعات خاصة تجمع المهتمين بمنتجاتها وخدماتها.
رابعًا، ساهمت الشبكات الاجتماعية في دعم وتغذية المواقع الإلكترونية للشركات من خلال الإشارات الاجتماعية والروابط الخلفية الطبيعية، مما يساهم في رفع ترتيب هذه المواقع في محركات البحث وزيادة شهرتها وانتشارها. خامسًا، وفرت الشبكات الاجتماعية والتقنيات الحديثة مثل الدردشة الحية والروبوتات الذكية حلولًا أقل تكلفة وأكثر فعالية لخدمة العملاء، حيث أصبح من الممكن إعداد قائمة بالأسئلة الشائعة والرد عليها آليًا، مما يوفر الوقت والتكاليف ويساهم في رفع ربحية الشركات.
لكي تنجح في الاستفادة من الامتيازات الاستثنائية التي توفرها الشبكات الاجتماعية، يجب وضع عملية إدارة ملفاتك في أولى أولويات الخطة التسويقية. تتضمن الخطوات الأساسية لإدارة ملفاتك على مواقع التواصل الاجتماعي بكفاءة وفعالية أولًا البدء بإستراتيجية واضحة تساعدك على بناء شخصية الشركة والجمهور المستهدف وتحديد نبرة الصوت والألوان واللغة والمصطلحات المناسبة. ثانيًا، جعل ملفك حيًا عن طريق تغذيته بمحتوى مسلٍ وجذاب يصنع التفاعل الاجتماعي ويساهم في ترسيخ العلامة التجارية لدى المستخدم.
ثالثًا، الاهتمام بالتسويق بالمديح (Word-of-Mouth) نظرًا لأن غالبية المستخدمين يثقون بآراء أصدقائهم ومراجعاتهم عن المنتجات، ويتخذون قراراتهم الشرائية تأثرًا بذلك. يمكن الحصول على مديح العميل عن طريق تقديم ما يحتاجه ويرغب فيه قبل أن يطلب، والتفوق على توقعاته بتقديم هدايا استثنائية غير متوقعة. رابعًا، إنفاق بعض المال في الحملات المدفوعة على الشبكات الاجتماعية للوصول بسرعة إلى الجمهور المستهدف وتحقيق الأهداف التسويقية في الوقت المناسب، خاصة مع انخفاض معدلات الوصول الطبيعي على بعض المنصات.
خامسًا، في حال عدم القدرة على إدارة ملفاتك الاجتماعية بنفسك لأسباب فنية أو داخلية، فمن الأفضل الاعتماد على إحدى شركات التسويق المحترفة لإدارة هذه الملفات واختصار الطريق على أعمالك. يجب فحص حساباتك الحالية وتقييم مدى توافقها مع أهداف نشاطك التجاري، والبدء على الفور في التعامل مع أي اختلالات أو عدم توافق، سواء بنفسك أو بالاستعانة بشركة متخصصة، لأن التواجد على الشبكات الاجتماعية أصبح ضرورة حتمية وليس خيارًا اختياريًا.