ذات مرة، أجرى بعض العلماء اختبارًا لقياس قوة الهوية البصرية للعلامات التجارية الأكثر شهرة في العالم، مثل كوكاكولا وماكدونالدز وكادبوري وغيرها. قاموا بإزالة الاسم والشعار وجميع العناصر التي تشير إلى اسم العلامة التجارية، ثم سألوا المستهلكين: لمن تنتمي هذه العبوة؟ النتائج كانت مذهلة، حيث تعرف 100% من المستهلكين على العلامة التجارية من النظرة الأولى، دون الحاجة لأي إشارة أو حرف واحد يُشير إلى اسمها أو هويتها. هذه هي الحيلة التي يستخدمها سارقو العلامات التجارية الشهيرة: التضليل البصري، حيث يقوم البائع المحتال بتعديل اسم العلامة التجارية مثل جالاكسي Galaxy إلى Galay أو Gaxay، مع الحفاظ على درجة لون الغلاف ونوع الخط نفسه، ليحقق تضليلًا بصريًا للمستهلك ويتمكن من بيع منتجاته.
هل للهوية البصرية حقًا كل هذه القوة؟ يناقش هذا المقال الهوية البصرية بشيء من التفصيل، من حيث أهميتها وقواعد تصميمها، وكيف يمكنك إنشاء هوية بصرية لا تُنسى لشركتك. فالهوية البصرية هي الوجود المرئي لشركتك، وهي الطريقة التي تُعرف بها إذا شوهدت من قبل الآخرين. ولا تشمل الهوية البصرية الشعار أو الاسم فقط، بل تمتد لتشمل الألوان والخطوط والعبارات والشعارات اللفظية. بل إن الهوية البصرية تشير أيضًا إلى الطريقة التي يتم بها استخدامها في أنشطة الشركة، مثل مقر الشركة وملابس الموظفين والموقع الإلكتروني والمراسلات الرسمية والمطبوعات المختلفة.
من المهم التمييز بين الهوية البصرية والعلامة التجارية، حيث غالبًا ما يحدث الخلط بينهما. فالعلامة التجارية هي القيمة التي تقف وراء ما تعبر عنه الهوية البصرية. أي أن العلامة التجارية تشير إلى القيمة التي يحصل عليها المستهلك عندما يتعامل معك، بينما الهوية البصرية هي الدليل الذي يعرف من خلاله المستهلك هذه القيمة. فعلى سبيل المثال، عندما يرغب المستهلك في الحصول على مشروب غازي منعش (القيمة)، سيختار كوكاكولا (العلامة التجارية)، ومن ثم يتوجه إلى شراء عبوات المشروب الغازي الحمراء الزاهية التي تحمل اسم وشعار كوكاكولا (الهوية البصرية).
تكمن أهمية الهوية البصرية لأعمالك في كونها واجهة العلامة التجارية، حيث من خلالها يتعرف عليك الجمهور المستهدف ويميزك بين المنافسين. كما أن الهوية البصرية تعبر عن رؤية ورسالة الشركة وتساعد في توصيلها إلى الجمهور. علاوة على ذلك، تعزز الهوية البصرية الانتماء لدى الموظفين، حيث يميل الإنسان إلى الانتماء للكيانات القوية التي تصنع فارقًا في المجتمعات. أيضًا، التواصل البصري أقوى في التأثير، كما أثبتت التجربة المذكورة في البداية، لذلك تولي الشركات أهمية كبيرة لبناء هوية بصرية قوية ولا تُنسى. وأخيرًا، تحفظ الهوية البصرية المميزة حقوق الشركة القانونية وتمنع الآخرين من استغلال اسمها أو علامتها التجارية بشكل غير قانوني.
لبناء هوية بصرية فعالة، يجب إجراء عصف ذهني وطرح بعض الاعتبارات، فالأمر لا يتعلق فقط بصناعة شعار جذاب، بل بوضع الأمور في نصابها الصحيح، حيث إن الهوية البصرية هي مفتاح العلامة التجارية التي ستُعرف بها لفترة طويلة. أولًا، عليك تحديد من أنت، أي الصورة التي ترغب في أن تظهر بها للجمهور، هل تحب المظهر الوقور الفخم أم الخفيف الجريء أم اللطيف الودود؟ ثانيًا، ما هو منتجك؟ حيث يحدد المنتج نوعية الجمهور المستهدف والرسالة التي ترغب في نقلها إليه واللغة المستخدمة. ثالثًا، من هو جمهورك؟ عليك اختيار شريحة محددة من الجمهور بخصائص ديموغرافية معينة وتراعي اللغة المناسبة للتعامل معها.
بعد إدراك العناصر الثلاثة السابقة، تأتي مرحلة العناية بأجزاء الهوية البصرية نفسها للحفاظ على تناسقها. أولًا، الشعار البصري (Logo) الذي ستُعرف به شركتك من الناحية البصرية بشكل أساسي. ثانيًا، الشعار اللفظي (Slogan) الذي يمثل ما تقدمه للجمهور ويشير إلى القيمة التي يحصل عليها بالتعامل معك. ثالثًا، المجموعة اللونية التي يجب اختيارها بعناية بناءً على طبيعة نشاطك التجاري وما تقدمه للجمهور. رابعًا، القيمة (Value) التي تختفي وراء كل ما سبق، حيث يجب أن تمثل في هويتك البصرية القيمة التي تدعو إليها، سواء كانت القوة أو الأمانة أو السرعة أو غيرها.
من المهم التأكيد على أن تصميم الهوية البصرية ليس لأداء مهمة محدودة، بل لتبقى وتُعرف بها الشركة للأبد. حتى في المناسبات المحدودة مثل المسابقات الرياضية الدورية، ينبغي الحرص على بناء هوية بصرية ذكية تعبر عن العام الذي أقيمت فيه هذه المناسبة، بحيث يتذكرها الجمهور للأبد.
في ظل عالم تجاري مليء بالمنافسات المختلطة (الشريفة وغير الشريفة)، تأتي الهوية البصرية المميزة كمعيار للتمييز بين الجيد والرديء في الأسواق. وحتى تنأى الشركة بنفسها عن أي ممارسات غير قانونية من أطراف تستغل اسمها التجاري أو شكل علامتها التجارية، تلجأ إلى صناعة هوية بصرية مميزة وتسجلها بشكل قانوني لدى الجهات المختصة في الدولة، وتقاضي كل من يستغل اسمها أو علامتها التجارية أو هويتها البصرية بدون إذن مسبق رسمي منها.